الاستعارة – أركانها، شروطها وقرينتها
تعرف الاستعارة لغة من عار الشيء، ويعور، ويعير، أي أخذه وذهب به، كما تؤخذ العارية، وهي ما يتداولونه بينهم. أما في الاصطلاح البلاغي، فهي الكلمة المستعملة في غير معناها الذي وضعت عليه، وذلك لعلاقة المشابهة مع قرينة مانعة من إرادة المعنى الوضعي. يقول ابن رشيق فيها: الاستعارة أفضل المجاز، وأول أبواب البديع، وليس في حلى الشعر أعجب منها، وهي من محاسن الكلام إذا وقعت موقعها، ونزلت موضعها.
وجوهر الاستعارة أنها تشبيه حذف أحد ركنيه ووجه الشبه والأداة، وهي أبلغ من التشبيه، وذلك لقوة ادعاء الاتحاد والامتزاج بين المشبه والمشبه به، إلى حد الظن أنهما صارا معنى واحدا، يستعمل له لفظ واحد، كأن تقول: رأيت أسدا في شرفة القصر، فيكون هذا استعارة أصلها رأيت رجلا شجاعا كالأسد في شرفة القصر، فالمشبه به هو كلمة أسد.
وهي مستعارة لأنها استعملت في غير معناها الذي وضعت له، وذلك بسبب علاقة المشابهة بين المعنى المجازي المشبه الرجل الشجاع المحذوف، والمعنى الوضعي الأسد مع قرينة كون الأسد في الشرفة التي منعت إرادة المعنى الوضعي لكلمة الأسد، وقد حذفت الأداة ووجه الشبه الشجاعة والقوة.
أركان الاستعارة
ذكر الرماني أركان الاستعارة، فقال: وكل استعارة فلا بد فيها من أشياء: مستعار، ومستعار منه، فاللفظ المستعار قد نقل من أصل إلى فرع للبيان، وكل استعارة بليغة، فهي جمع بين شيئين بمعنى مشترك بينهما يكسب بيان أحدهما الآخر، وكل استعارة حسنة، فهي توجب بلاغة بيان لا تنوب منابه الحقيقة، وذلك لو أنه تقوم مقامه الحقيقة كانت أولى به، ولم تجز الاستعارة. إذا فأركان الاستعارة هي ثلاثة:
1- المستعار منه، وهو ذات المشبه به، كقوله تعالى: ﴿واشتعل الرأس شيبا﴾ مريم 4، فالمستعار منه هو النار الذي استعير للمشبه الشيب، حيث استخدم لغير معناه الوضعي الاحتراق ليعبر عن كثرة الشيب في الرأس.
2- المستعار له: وهو ذات المشبه، ففي المثال السابق المشبه هو الشيب الذي استعير له المشبه به النار.
3-المستعار، وهو اللفظ المنقول، وفي المثال السابق اشتعل الذي يدل على المشبه به النار.
نجد أن الاستعارة تكون في الألفاظ، أما التشبيه، فيكون في المعاني.
شروط تحقيق الاستعارة
1- تناسي التشبيه في الاستعارة تماما، والادعاء أن المشبه فرد من أفراد المشبه به، ودخل في جنسه، وذلك من باب المبالغة في اتصاف المشبه بوجه الشبه، كقول: رأيت قمرا في بيت الجيران، فالاستعارة هنا في لفظ قمر المستعار من معناه الوضعي للفتاة الحسناء، فيشبه الفتاة بالقمر لجمالها وضياء وجهها، فيجب هنا تناسي التشبيه الذي بنيت عليه الاستعارة، وهو تشبيه الفتاة بالقمر، لا التشبيه الثاني الذي لا يضر الاستعارة، لأنها لم تبن عليه.
2- عدم الجمع بين المشبه والمشبه به، ففي المثال السابق عند تشبيه الفتاة بالقمر استعرنا لفظ المشبه به للمشبه، وقولك: عينا الحفظ تحرسانك شبه الحفظ بإنسان في الحراسة ثم استعير تقديرا لفظ الإنسان للحفظ ثم حذف، ورمز له بشيء من خواصه، وهو العينان، فلم يذكر إلا المشبه، وفي المثالين السابقين لم يجمع بين المشبه والمشبه به، بل ذكر واحد منهما لفظا أو تقديرا.
3- أن يكون المشبه به كليا حقيقة أو تأويلا، وذلك ليتسنى ادعاء دخول المشبه فيه واعتداده فردا من أفراده، فمن الكلي الحقيقي اسم الجنس أسد، فإن معناه كلي يشمل أفرادا كثيرين، فيصح أن يستعار للشجاع باعتداده أحد أفراد الأسد ادعاء.
ومن الكلي التأويلي علم الشخص المشتهر بوصف، إذ يصح اعتداده كليا ثم استعارته لمن شاركه في هذا الوصف، مثل: حاتم، وهو اسم تضمن الاتصاف بالجود، كأن تقول: رأيت اليوم حاتما تريد به رجلا كريما، فقد جعلت كلمة حاتم موضوعا للجود والكرم بشكل مطل.
4- ألا يذكر وجه الشبه ولا أداته لفظا أو تقديرا.
قرينة الاستعارة
هي المؤشر الدلالي الذي يحدد كون الكلمة مستعارة من معناها الوضعي لمعنى آخر بينه وبين الأولى علاقة تشابه، وهي إما أن تكون لفظية أو غير لفظية.
1- القرينة اللفظية
هي لفظ مختص بالمشبه تصرف ذهن المتلقي عن المعنى الوضعي للمشبه به إلى معنى آخر، مثال: وعد القمر بالزيارة، فإن لفظ القمر يستدل به إلى معنى آخر، وهو الفتاة الحسناء التي هي كالبدر، فيكون البدر استعارة.
2- القرينة غير اللفظية
وهي أمر خارج عن اللفظ يصرف المشبه به عن إدراك معناه الوضعي، كشاهد الحال واستحالة المعنى، ومنه قولك: غنت لنا ظبية، فمخاطبك هنا يرى فتاة حسناء تغني، والقرينة هنا حالية لأن المعنى المراد الفتاة الحسناء وليس الظبية، وهي اقتران القول برؤية الفتاة الحسناء تغني.
أما قرينة الاستحالة، كقوله تعالى: ﴿إنا لما طغى الماء حملناكم في الجارية﴾ الحاقة11، فقد شبه كثرة الماء بكثرة كبيرة تجاوزت الحد، فالقرينة هي استحالة صدور الطغيان من الماء لأن الطغيان يصدر من الإنسان.
أنواع القرينة
والقرينة من حيث مكوناتها نوعان:
1- ما تكون في أكثر من لفظين يكفي كل منها للدلالة على الاستعارة، كقولك: رأيت أسدا في المجلس يلقي محاضرة فالقرينة أمران هما: في المجلس ويلقي محاضرة، وكل واحد منهما يكفي لتعيين المعنى المجازي لكلمة أسد في الرجل الشجاع، ويمنع إرادة المعنى الوضعي الحيوان المفترس.
2- ما تكون في لفظ واحد ليس فيه تعدد، وهو شائع في الاستعارات، كقولك: رأيت أسدا يرمي، فالقرين هنا هي لفظ واحد لا تعدد فيه، وهو يرمي.
وظيفة القرينة في الاستعارة
تعيين المعنى المراد، ومنع إرادة المعنى الوضعي، فإن غياب القرينة يبطل هذه الوظيفة، فيصلح اللفظ عندئذ لإرادة المعنى الوضعي أو المجازي.
تابعنا للمزيد من الاخبار عبر الواتساب
دليلك الشامل لأحدث الأخبار
0 تعليق
إرسال تعليق