التشبيه – أركانه، أقسامه وأغراضه
يعرف التشبيه في اللغة التمثيل، أي تمثيل شيء بآخر، يقول صاحب لسان العرب: شبهه إياه، شبهه به، مثله، ومنه قوله تعالى: ﴿وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم﴾ النساء 157. أما في الاصطلاح البلاغي، فهو مشاركة أمر لأمر في معنى بإحدى أدوات التشبيه لفظا أو تقديرا، وذلك لغرض يقصده المتكلم، مثال ذلك: زيد كالأسد في قوته، فقد دل على مشاركة زيد الأسد في معنى القوة، وقد تم ذلك بوساطة أداة موضوعة لذلك، وهي الكاف، وذلك لبيان حال زيد من حيث اتصافه بالقوة.
أركان التشبيه
للتشبيه أربعة أركان هي:
– المشبه: هو الأمر الأول الذي يراد إلحاقه بغيره، ففي المثال السابق زيد هو المشبه الذي يلحق بالأسد.
– المشبه به: هو الأمر الثاني الذي يلحق به المشبه، وبالتالي فهو الأسد الذي شبه به زيد.
– وجه الشبه: هو الصفة أو المعنى المشترك بين طرفي التشبيه، وتكون هذه الصفة في المشبه به أقوى من المشبه، وقد تكون مذكورة أو محذوفة، فإن القوة هي الصفة المشتركة بين زيد والأسد، ويمكن ذكرها أو حذفها.
– أداة التشبيه: هي اللفظ الذي يكون بمعنى مثل، ويدل على التشبيه، ويربط بين المشبه والمشبه به، وقد تذكر أو تحذف، ومن أدوات التشبيه: الكاف، كأن، ياء النسب، مثل، مثيل، شبه، شبيه، مساو، محاك، نظير، عدل، عديل.
أقسام التشبيه
المشبه والمشبه به لا يحذفان، لذلك فإن للتشبيه أربعة أقسام، بحسب ما يحذف من ركني الأداة ووجه الشبه، فإن ذكرت الأداة يكون التشبيه مرسلا، وحذفها يجعله مؤكدا لأنها تضعف التشبيه. أما حذف وجه الشبه يجعل التشبيه مجملا أي لا يفصله، وهذه الأقسام هي:
1- المرسل المفصل
حيث يذكر فيه المشبه، والمشبه به، والأداة، ووجه الشبه، فهو بذلك تام الأركان، كقول الشاعر:
أنت مثل الغصن لينا
وشبيه البدر حسنا
فهنا شبه الشاعر محبوبته بالغصن والبدر، فالتشبيه تام الأركان، حيث إن المشبه هي محبوبة الشاعر، والمشبه به هو الغصن والبدر، ووجه الشبه اللين والحسن، وأدوات التشبيه هي مثل وشبيه.
2- المؤكد المفصل
حيث تكون الأداة فيه محذوفة، ووجه الشبه مذكور، ومنه قول: العالم سراج أمته في الهداية وتبديد الظلام، فالمشبه العالم، والمشبه به سراج، ووجه الشبه الهداية، وقد حذفت أداة التشبيه.
3- المرسل المجمل
يكون وجه الشبه محذوفا، وتذكر الأداة، ومنه قول الشاعر:
كأنه النهار الزاهر والقمر الباهر
الذي لا يخفى على كل ناظر
فالشاعر يصف هنا أعرابيا، وهو المشبه الذي يمثله ضمير الغائب الهاء في كأنه، والتي هي أداة التشبيه. أما المشبه به، فهو النهار والقمر، ووجه الشبه محذوف.
4- المؤكد المجمل
يسمى أيضا التشبيه البليغ، حيث تحذف الأداة ووجه الشبه، ومنه قول: الحق سيف على أهل الباطل، فالمشبه الحق والمشبه به سيف، وقد حذفت الأداة ووجه الشبه.
أنواع المشبه به
عند حذف الأداة ووجه الشبه يأتي المشبه به على عدة أنواع، وهي:
– خبرا للمشبه، كقوله تعالى: ﴿ومنهم من يؤذون النبي ويقولون هو أذن قل أذن خير لكم.. ﴾ التوبة 61، فالتشبيه في هو أذن، حيث إن المشبه به أذن، جاء خبرا للمشبه هو، وأحيانا يحذف المشبه بدلالة قرينة، كقوله تعالى: ﴿صم بكم عمي فهم لا يعقلون البقرة 177، فقد جاء المشبه به صم بكم عمي أخبارا لمبتدأ محذوف تقديره هم.
– خبرا لما دخل على المشبه من نواسخ، كقول: إن أولادنا أكبادنا تمشي على الأرض، فالمشبه به أكبادنا جاء خبرا للحرف المشبه به إن أو جاء خبرا لكان وأخواتها، كقوله تعالى: ﴿فإذا انشقت السماء فكانت وردة كالدهان﴾ الرحمن 37، فقد شبه السماء بالوردة، وهي خبر كان.
– حالا من المشبه أو صفة له، كقول الشاعر:
بدت قمرا، ومالت خوط بان
وفاحت عنبرا، ورنت غزالا
فقد شبه المحبوبة بالقمر، وخوط البان، والعنبر، والغزال، وكلها أحوال لها. أما مجيء المشبه به صفة، فهو كقول: مررت برجل بحر، فالمشبه الرجل، والمشبه به البحر، وهو صفة له.
– مضافا للمشبه، كقول الشاعر:
والريح تعبث بالغصون وقد جرى
ذهب الأصيل على لجين الماء
حيث قدم المشبه به لجين أي الفضة على المشبه، وهو الماء، ثم أضيف إليه.
– أن يأتي المشبه به مبينا لنوع المشبه، كقوله تعالى: وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب﴾ النمل 88، فالتقدير: مرا كمر السحاب في سرعته، فالمشبه مرا مصدر محذوف كشف عنه المصدر المذكور، والذي هو المشبه به.
أن يكون مبينا بالمشبه، كقوله تعالى: ﴿وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود البقرة 187، فالتقدير حتى يتبين لكم الفجر كالخيط، فالمشبه الفجر، وقد جاء بعده المشبه به مبينا له.
شروط التشبيه
يقرر البلاغيون أن التشبيه يتحقق من خلال وجوب ذكر ركنيه المشبه والمشبه به على نحو لا يستقيم فيه المعنى إلا بالحمل على التشبيه، كما يشترط وجود أداة التشبيه ملفوظة أو مقدرة.
أغراض التشبيه
1- بيان حال المشبه، أي الوصف الذي هو عليه، ويكون ذلك عندما يجهل المخاطب حال المشبه، ويود معرفته، فيوضحه بإلحاقه بمشبه به يعرفه، كقول النابغة في مدح النعمان بن المنذر:
فإنك شمس والملوك كواكب
إذا طلعت لم يبد منهن كوكب
فهو يبين حال المشبه النعمان مع باقي الملوك، فإذا ظهر بينهم كان حاله كحال الشمس عند ظهورها بين الكواكب الأخرى.
2- بيان مقدار حال المشبه من حيث القوة والضعف، والزيادة والنقصان، ويكون ذلك عندما يعلم المخاطب حال المشبه، ويجهل مقدار هذا الحال، فيوضحه بإلحاقه بمشبه به يعرف مقدار حاله، كقول الشاعر عنترة العبسي:
فيها اثنتان وأربعون حلوبة
سودا كخافية الغراب الأسحم
فالمخاطب يعرف حال المشبه، وهو السواد، ولكنه لا يعرف مقداره، فجاء الشاعر بهذا التشبيه ليبين شدة سواده من خلال تشبيهه بسواد الغراب الأسحم، ليبين مقدار سواده.
3- تزيين المشبه للمخاطب، ترغيبا أو تعظيما له، وذلك بتصويره في صور تلقى الإعجاب في النفس، ومنه قول الشاعر:
له خال على صفحات خد
كنقطة عنبر في صحن مرمر
حيث شبه الخال الشامة على خد المحبوب بنقطة عنبر في صحن من المرمر، وهي من الصور الجميلة التي تلاقي الاستحسان عند المخاطب.
4- التقبيح، للتنفير من المشبه أو التحقير له، وذلك بإلحاقه بمشبه به تنفر منه النفس، كقول الشاعر:
وإذا أشار محدثا فكأنه
قرد يقهقه أو عجوز تلطم
فقد شبه الشاعر هيئة إنسان بغيض أثناء حديثه بهيئة قرد يضحك أو هيئة عجوز تضرب وجهها، ويجمعهما بشاعة المنظر، وذلك لينفر المخاطب منه. يجب في التزيين والتقبيح أن يكون المشبه به أشهر من المشبه في وجه الشبه.
5- تقرير حال المشبه، وتمكينها في ذهن السامع، وذلك بإظهارها في صورة أوضح وأقوى، ويكون ذلك في الأمور المعنوية التي تكون صعبة على الفهم والإدراك، فتشبه بأمور حسية يسهل إدراكها، كقوله تعالى: ﴿والذين يدعون من دونه لا يستجيبون لهم بشيء إلا كباسط كفيه إلى الماء ليبلغ فاه وما هو ببالغه﴾ الرعد 14، فالآية الكريمة تقرر حال الكافرين ودعاؤهم غير المستجاب للأصنام من خلال صورة حسية، وهي من يحاول شرب الماء، فيبسط يديه إلى الماء، فتخرج من بين أصابعه.
6- بيان أن المشبه أمر ممكن الوجود، وذلك حين يكون المشبه أمرا غريبا، فيشبه بشيء مسلم الوقوع، ويكون دليلا على إثباته، ومنه قول الشاعر ابن الرومي:
وكم أب قد علا بابن ذرا شرف
كما علا برسول الله عدنان
فإنه يثبت علو مكانة الأب بابنه من خلال صورة معروفة، وهو علو قبيلة عدنان برسول الله عليه الصلاة والسلام.
تابعنا للمزيد من الاخبار عبر الواتساب
دليلك الشامل لأحدث الأخبار
0 تعليق
إرسال تعليق