أبجدية أوغاريت – صفاتها، أهميتها وأوجه التشابه مع العربية
كانت الكتابة ولا تزال من أهم المنجزات الحضارية في تاريخ البشرية، حيث تحول من خلالها الكلام المنطوق إلى رموز ساهمت في نقل الموروث الحضاري والفكري عبر الأجيال، وحفظت المعارف والعلوم من الضياع، وقد اهتم الباحثون بدراسة مراحل نشأة الكتابة، حيث تبين لهم أن الكتابة نشأت على أرض الوطن العربي الجديد، وذلك من خلال دراسة النقوش المكتوبة على الاكتشافات الأثرية من ألواح طينية الرقم، وأدوات حربية، وأوراق البردي، وغيرها، ومن الكتابات القديمة المكتشفة، الكتابة المسمارية، والكتابة الهيروغليفية.
هذه الكتابات كانت رموزا وإشارات تطورت عبر الزمن حتى أصبحت حروفا أبجدية، مثل: أبجدية سيناء، وأبجدية جبيل، والأبجدية الأوغاريتية، والتي تعد من أكمل الأبجديات المكتشفة، وسنتناول في مقالتنا هذه الأبجدية من حيث تاريخها، وصفاتها، وأوجه الشبه بينها وبين اللغة العربية.
تاريخ أبجدية أوغاريت
هي أقدم أبجدية عرفت في العالم، تمثل المرحلة المتطورة أو الأخيرة لما يمكن أن تصل إليه الكتابة، ويعود الفضل في اختراعها إلى الكنعانيين الذين كانوا يسكنون على الساحل السوري، ويعود تاريخها إلى القرن الرابع عشر أو الخامس عشر قبل الميلاد، وقد اكتشفت في مدينة أوغاريت الواقعة في رأس شمرا، والتي تبعد تسعة كيلو مترات عن مدينة اللاذقية في سورية.
تعتبر هذه الأبجدية أقدم مصدر للغة العربية، وهي من آخر مكتشفات اللغات السامية، وقد وجدت الكثير من النصوص الأوغاريتية الأدبية، بالإضافة إلى النصوص الرسمية، والمعاهدات مع الدول والعقود التجارية، ويعود الفضل في حل رموزها إلى كل من الباحثين شارل فيرلوا، وإدوارد دهورم، واللغوي هانز باور.
من هم الكنعانيون؟
هم أقوام استقرت على السواحل الشرقية للبحر الأبيض المتوسط في بلاد الشام، وفي جنوبها أرض فلسطين في فترة 3000 إلى 1200 قبل الميلاد في العصر المسمى العصر البرونزي. هنالك عدة نظريات حول أصول الكنعانيين، فمنهم من وجد أنهم ينتمون إلى جزيرة العرب، أو سواحل البحر الأحمر، أو سيناء، والنقب، أو مصر، ولكن النظرية الأقوى أنهم ينتمون إلى أعالي بلاد الرافدين والشام، وقد أطلق على الكنعانيين الذين سكنوا أرض باشان اسم اليميون والرفائيين، وبعد رحيلهم باتجاه غرب البحر المتوسط أطلق عليهم الشاميين أو الساميين.
تعني كلمة الكنعانيين الأرض المنخفضة، وهي تسمية أطلقت على الأقوام الذين سكنوا في أراض منخفضة بين جبال سورية، ولبنان، والساحل، ولم يستطع الكنعانيون أن يشكلوا دولة واحدة، فكان لهم نظام سياسي قائم على دولة المدينة، ولكل مدينة إلهها الخاص، وقد اشتهروا بالعمل في التجارة البحرية والملاحة، كما كان لهم إنجازات حضارية مهمة، كاختراع الكتابة.
ما هي صفات أبجدية أوغاريت؟
نقشت الأبجدية الأوغاريتية كغيرها من اللغات القديمة على ألواح من الخشب، أو الفؤوس المعدنية، أو الفخار، حيث اكتشف علماء الآثار نقوشا منتهية بمسامير، ولكنها لم تكن من الكتابة المسمارية، بل كانت نوعا من الحروف الهجائية، وبلغ عددها ثلاثون حرفا تقرأ من اليسار إلى اليمين كالكتابة الأكادية، ويفصل بين الكلمات حرف مسماري عمودي، وهي شبه مقطعية لا تحتوي إلا على حرف واحد يكتب بثلاثة أشكال لتمييز الحروف الصوتية.
وتتضمن الأبجدية الأوغاريتية ثلاثة ألفات همزات، وحرف السين يكتب بشكلين، ولا يوجد فيها حرف الضاد، وقد تقلص عدد حروفها إلى 22 حرفا، لأن الحاء والخاء صارا حرفا واحدا، وأيضا الشين والثاء، واختفت الغين، والسين الثانية، وكانت تستخدم اختصارات لإشارات كثيرة تصل ما بين ستمئة إلى ثمنمئة إشارة، لذلك فهي تعتبر ذات مستوى معرفي راق بسبب هذه القدرة على الاختزال.
وهي خالية من الحركات، ما عدا الحرف الساكن الوحيد المعروف في اللغة العبرية والعربية الألف أو الهمزة الذي أدخلت عليه الحركات، فكان مفتاحا لتهجئة الكلمات التي تحتوي عليه مثل: ءب، أب، ءل، إله، وبذلك تكون الأبجدية الأوغاريتية صعبة على القارئ الحديث بسبب عدم وجود الحركات، لذلك كان يلجأ إلى السياق لفهم المعنى. ومن أسماء حروفها: آلف، بيت، جيمل، دالت، هاي، واو، زاين، حيط، طيت، كوف، كوف، لامذ، ميم، نون، سين، عين، فا، صاد، قوف.
ما هي أهمية أبجدية أوغاريت؟
تتجلى أهميتها في عدة أمور، وهي:
– صلة القرابة التي تجمعها مع اللغات الفينيقية، والآرامية، والعربية، والعبرية، والتي تنتمي جميعها إلى اللغات السامية.
– وما زاد في أهميتها اكتشاف لوحة صغيرة عند مدخل القصر الملكي في أوغاريت مكتوب عليها أحرف الأبجدية الأوغاريتية الثلاثون بترتيبها الشائع في العهد الأوغاريتي، والذي ظهر فيما بعد أنه الترتيب نفسه الذي تتبع نهجه اللغة العربية واليونانية.
– معظم الرقم الأوغاريتية المكتشفة، والتي بلغ عددها حوالي 1400 قدمت مادة غنية للدراسات المقارنة مع العهد الجديد.
– تعتبر النصوص الأوغاريتية التي وجدت في مكتبة أوغاريت توراة كنعانية بعد المقارنة بينها وبين نصوص المزامير العبرية وغيرها، وذلك بسبب تأثر العبريين بها عند دخولهم أرض كنعان.
– بعد تفكيك رموز قطعة أثرية مكتوب عليها بالأبجدية الأوغاريتية والخط المسماري، تبين أنها مقطوعة موسيقية بعنوان محبوبة القلب، حيث عرف من خلالها أن شعوب المنطقة كانوا يعرفون السلم الموسيقي السباعي، والذي هو السلم المنسوب حاليا إلى فيثاغورث.
– أجريت الكثير من الدراسات حول اللغة الأوغاريتية في فرنسا، حيث أصدرت موسوعة تحوي العديد من المجلدات باسم أوغارتيكا، بإشراف الأستاذ شيفر، كما تصدر العديد من الدوريات والمجلدات السنوية، ومنها بحوث أوغاريتية باللغة الألمانية من جامعة مونستر.
– جميع أبجديات العالم المعاصر قد تطورت منها، لذلك لاقت اهتماما بالغا في أكثر المحافل العلمية، والتاريخية، واللغوية العالمية، حتى أنها تدرس في أقسام خاصة في كثير من الجامعات الأوربية والأمريكية.
أوجه التشابه بين الأوغاريتية والعربية
بعد دراسة العديد من النصوص الأوغاريتية تبين أن هناك أوجه تشابه كثيرة بينها وبين اللغة العربية:
– التشابه الكبير من حيث النطق، فكل الحروف الأوغاريتية لها صوت يشابه الحروف في اللغة العربية.
– وجد الباحثون أن في اللغة الأوغاريتية سبعمئة كلمة مشتركة مع اللغة العربية، ومن هذه الكلمات: نهر، أب، بتول، صحراء، بكى، بيت….
– كما أن هنالك تشابه كبير في الخصائص النحوية من حيث تركيب الجمل، حيث يوجد في اللغة الأوغاريتية نوعان من الضمائر المذكر والمؤنث، وثلاث حالات للاسم المفرد، المثنى، الجمع، وترتيب الجمل الفعلية فعل، فاعل، مفعول به والاسمية مبتدأ، خبر.
في الختام: نجد أن أبجدية أوغاريت تعد من الأبجديات الهامة التي لاقت اهتماما عالميا، لأنها تمثل مرحلة متطورة لما يمكن أن تصل إليه الكتابات القديمة، فهي هدية قيمة قدمها الشرق العربي الجديد للبشرية جمعاء.
تابعنا للمزيد من الاخبار عبر الفيسبوك
دليلك الشامل لأحدث المعلومات من البلد
0 تعليق
إرسال تعليق