الاستعارة التصريحية – أنواعها تبعاً للمُلائم
تعرف بأنها لفظ المشبه به المستعار للمشبه المحذوف، وقد سميت بالتصريحية لأنه صرح بلفظ المشبه به، ومن أنواعها الاستعارة التصريحية تبعا للملائم، حيث تقوم فيها الاستعارة على ادعاء كون المشبه من جنس المشبه به وفردا من أفراده، وفيها ما يقوي هذا الادعاء أو يضعفه تبعا للمعنى المذكور، وانتمائه إما للمشبه أو المشبه به، وبذلك تكون تبعا لذكر ملائم لأحد الطرفين المشبه والمشبه به أو عدم ذكره، وهي ثلاثة أنواع: المرشحة، المطلقة، المجردة.
الاستعارة التصريحية المرشحة
يعني الترشيح التربية والتقوية، وسميت الاستعارة مرشحة لأنها مقرونة بما يبعدها عن الحقيقة، ويقوي ادعاء اتحاد الطرفين، فهي التي تقرن بمعنى ملائم للمشبه به، أو تأتي بها قرينة تلائم المشبه به، فيؤدي إلى زيادة تناسي المعنى الأصلي، وتوهم أن هذا المعنى المجازي هو حقيقة.
ومنه قوله سبحانه وتعالى: ﴿واخفض جناحك للمؤمنين﴾ الحجر 88، فقد استعير لفظ الجناح ل الجانب، والجامع بينهما المرونة والميل، ورشحت الاستعارة بذكر ملائم المستعار منه، وهو اخفض، والتي هي من صفات الجناح الحقيقي، فالاستعارة هنا مرشحة. ومن أمثلتها في الشعر قول البحتري يعتذر ليعقوب بن أحمد:
ولما نبت بي الأرض عدت إليكم
أمت بحبل الود وهو رمام
استعار الشاعر هنا لفظ الحبل لعلاقة الود والمحبة، ثم وصف هذا الخيل بأنه رمام أي بال، وذلك ترشيحا للاستعارة أي تقوية لها، وذلك بإضافة ما يقوي ادعاء أن علاقة الود هذه هي حبل حقيقي.
الاستعارة التصريحية المجردة
التجريد يعني النزع، وسميت هذه الاستعارة تجريدية لتجردها عما يقوي فيها ادعاء الاتحاد بين الطرفين المشبه والمشبه به، فهي التي تقرن بمعنى يلائم المستعار المشبه، أو تأتي القرينة ملائمة للمشبه، فيضعف ذلك ادعاء الاتحاد بين الطرفين، ويذكر المتلقي بأنه أمام صورة مجازية. ومنه قول الشاعر:
يا ابن الكواكب من أئمة هاشم
والرجح الأحساب والأحلام
استعار الشاعر لفظ الكواكب ثم أتى بملائم المستعار له المشبه، وهو لفظ الرجال، كونهم من أئمة هاشم، ورجح الأحساب والأحلام، وذلك تجريدا للاستعارة.
اجتماع التجريد والترشيح في استعارة واحدة
يمكن أن يجتمع التجريد والترشيح في استعارة واحدة، فيضفي على الصورة شيئا من التعقيد والروعة، كما يضاعف حيرة العقل في إدراك المعنى المراد، وعند جلاء المعنى في النهاية تبقى درجة الغموض كما هي بعد التقوية بالترشيح، والإضعاف بالتجريد، ويمنع اجتماع الاستعارة المطلقة مع كل من المرشحة والمجردة، ومن أمثلة اجتماع التجريد والترشيح قول الشاعر زهير بن أبي سلمى:
لدى أسد شاكي السلاح مقذف
له لبد أظفاره لم تقلم
فقد استعار الشاعر لفظ الأسد للرجل الشجاع، ثم جاء بملائم المستعار له الرجل، وهو قوله شاكي السلاح، أي تام السلاح، فالاستعارة مجردة، ثم جاء بملائم للأسد، وهو له لبد، واللبد جمع لبدة، وهو شعر الأسد الكثيف، وذلك ترشيحا للاستعارة، فالاستعارة مجردة ومرشحة.
الاستعارة المطلقة
سميت بذلك لأنها مطلقة عن التقييد بما يلائم أحد الطرفين، هي التي لا تقرن بشيء من ملائمات أحد الطرفين، كقولهم: مشى الماء أرقط، فقد شبه الماء بحية رقطاء في الجري، فإن لفظ مشى قرينة غير معينة، فهي تشير إلى التشبيه بحيوان مطلق.
أما لفظ أرقط، فهو قرينة معينة للمراد، فهما ليسا زائدين على القرينة، ومنه قوله تعالى: ﴿قل أرأيتم إن أخذ الله سمعكم وأبصاركم﴾ الأنعام 46، فقد استعير لفظ الأخذ لإبطال الحواس، والجامع بينهما توقف الانتفاع في كل، ثم استعير أخذ ل أبطل، وذلك تبعا لاستعارة المصدر للمصدر، على سبيل الاستعارة التصريحية التبعية، ولم يؤت بملائم لأي من طرفي الصورة فالاستعارة مطلقة.
أما في الشعر قول الشاعر المتنبي:
يا بدر يا بحر يا غمامة يا
ليث الشرى، يا حمام، يا رجل
استعار للممدوح ألفاظ البدر، البحر، الغمامة، وليث الشرى، وهي تعني: أسود تسكن في منطقة تسمى الشرى، الحمام، وتعني: الموت، والقرينة في كل هذه الاستعارات أداة النداء، ولم تقرن أيا منها بقرينة ملائمة لأي من الطرفين، فالاستعارات كلها مطلقة. ويعتبر البلاغيون أن الاستعارة التي يجتمع فيها الترشيح والتجريد مطلقة، ويعبرون عن ذلك بقولهم: إنهما تتعارضان فتتساقطان، فكأن لا ترشيح ولا تجريد، ومن ذلك قول الشاعر بشار بن برد:
أتتني الشمس زائرة
ولم تك تبرح الفلكا
فقد استعار لفظ الشمس لمحبوبته، ثم أتى بملائم للمستعار له المحبوبة، وهو الزيارة، لأنها من شأن الإنسان، وبملائم أيضا للمستعار منه الشمس، وهو عدم مغادرتها الفلك، وهو من خصوصية الشمس.
موازنة بين بلاغة الاستعارات الثلاث
وإذا تساءلنا عن أي الأنواع الثلاثة أكثر بلاغة، نجد أن الاستعارة التصريحية المرشحة هي أبلغ من الاستعارة المجردة والمطلقة، وقد قال الزمخشري عن سحر هذا النوع من الاستعارة: هذا من الصفة البديعية التي تبلغ بالمجاز الذروة العليا، وهو أن تساق كلمة مساق المجاز ثم تقفى بأشكال لها وأخوات إذا تلاحقن لم تر كلاما أحسن منه ديباجة وأكثر ماء ورونقا، وهو المجاز المرشح.
إن الترشيح الذي يتمثل بذكر ملائم للمستعار منه أبلغ من سواه، وذلك لأنه يقوي دعوى الاتحاد بين الطرفين، فيخيل للمتلقي أن المشبه هو المشبه به تماما، ويتأرجح بين الحقيقة والمجاز، فنجد أن الاستعارة الترشيحية في قول ابن المعتز:
أثمرت أغصان راحته
بجنان الخلد عنابا
هي أبلغ من الاستعارة المطلقة في قوله أيضا:
فأمطرت لؤلؤا من نرجس وسقت
وردا وعضت على العناب بالبرد
ففي الاستعارة الأولى ادعاء بأن المستعار له متحد مع المستعار منه بلحمه ودمه، وفي البيت الثاني لا نجد شيئا من هذا الاتحاد. وبذلك تكون الاستعارة المرشحة في المرتبة الأولى، وتمثل الإفراط في المبالغة، وتأتي الاستعارة المطلقة في المرتبة الثانية، وتمثل الحد الوسط بين الإفراط في المبالغة والتفريط فيها.
أما التجريد، فهو في المرتبة الثالثة، ويمثل التفريط في المبالغة، حيث يضعف دعوى الاتحاد بين الطرفين، وفيه ما يدل على أن الصورة مجازية وليست حقيقية، والمستعار له ملحق إلحاقا بالمستعار منه.
تابعنا للمزيد من الاخبار عبر الواتساب
دليلك الشامل لأحدث الأخبار
0 تعليق
إرسال تعليق