علم البديع – السَّجع، أنواعه وجمالياته
يعرف السجع في اللغة ترديد الصوت، وذلك من قولهم: سجعت الحمامة إذا رددت صوتها على طريقة واحدة، أو سجعت الناقة إذا أطربت في حنينها، أيضا سجع المتكلم في كلامه إذا تكلم بكلام له فواصل كفواصل الشعر مقفى غير موزون. أما في الاصطلاح البلاغي، فهو توافق الفاصلتين على حرف واحد في الآخر الفاصلة هي آخر كلمة من جملة مقارنة لجملة أخرى، وتسمى هاتين الجملتين قرينة لمقارنتها الأخرى أو تسمى فقرة.
ما هي أنواع السجع؟
للسجع ثلاثة أنواع، وهي: المطرف، المرصع، المتوازي.
1 – السجع المطرف
ما اختلفت فاصلتاه في الوزن الصرفي، واتفقتا في الحرف الأخير أو الطرف، كقوله تعالى: ﴿ووجدك ضالا فهدى ۞ ووجدك عائلا فأغنى﴾ الضحى 5-6، فإن فاصلة القرينة الأولى كلمة هدى وزنها الصرفي فعل، وفاصلة القرينة الثانية كلمة أغنى وزنها الصرفي أفعل، فقد اختلفتا في الوزن الصرفي، واتفقتا في الحرف الأخير الألف. وقول أحدهم: اللهم إن كنت قد أبليت فإنك عافيت، فإن فاصلة القرينة الأولى كلمة أبليت وزنها الصرفي أفعلت، وفاصلة القرينة الثانية عافيت وزنها الصرفي فاعلت، وقد اختلفتا في الوزن الصرفي، واتفقتا في الحرف الأخير التاء.
2- السجع المرصع
يسمى أيضا المركب، وهو ما اتفقت فيه ألفاظ القرينتين أو أكثرها في الوزن والتقفية، أو مقابلة ألفاظ الفقرة الأولى بالفقرة الثانية وزنا وقافية، وقد سمي كذلك لأنه يشبه ترصيع العقد أي جعل كل لؤلؤة مقابلة للأخرى، ومن ذلك قوله تعالى: ﴿وآتيناهما الكتاب المستبين ۞ وهديناهما الصراط المستقيم﴾ االصافات 117-118، فإن ألفاظ القرينة الأولى تتوافق مع ألفاظ القرينة الثانية في الوزن والقافية، ومنه أيضا قول الهمذاني: إن بعد الكدر صفوا، وبعد المطر صحوا.
3- السجع المتوازي
هو ما اتفقت فيه الفاصلتان وزنا وتقفية مع اختلاف ما عداهما فيما يلي:
الوزن والتقفية
كقوله تعالى: ﴿فيها سرر مرفوعة ۞ وأكواب موضوعة﴾ الغاشة 13- 14، فقد اختلفت كلمتي سرر، أكواب في الوزن والتقفية، واتفقت الفاصلتان مرفوعة، موضوعة في الوزن والتقفية.
الوزن فقط
كقوله تعالى: ﴿والمرسلات عرفا ۞ فالعاصفات عصفا﴾ المرسلات1-2، فقد اتفقت الفاصلتان عرفا وعصفا في الوزن والتقفية، واختلفت المرسلات والعاصفات في الوزن فقط.
التقفية فقط
كقولهم: حصل الناطق والصامت، وهلك الحاسد والشامت، فقد اتفقت الفاصلتان الصامت والشامت وزنا وتقفية، واختلف ما عداهما تقفية فقط.
السجع في النظم
يأتي السجع أساسا في النثر، وقد يأتي في النظم، كقول الشاعر أبي صخر الهذلي:
سود ذوائبها بيض ترائبها
محض ضرائبها صيغت من الكرم
فقد اتفقت الفواصل ذوائبها، ترائبها، ضرائبها في الوزن والتقفية، كما اتفقت قرائنهما في الوزن، وهو سجع مرصع. وقد يأتي كلا من شطري البيت سجعة مؤلفة من قرينتين مخالفة لأختها، ويسمى التشطير، كقول الشاعر:
تدبير معتصم، بالله منتقم
لله مرتغب، في الله مرتقب
فالبيت الأول هو سجع، والقرينة مبنية على حرف الميم، وهي مخالفة للبيت الثاني الذي قرينته مبنية على حرف الباء.
السجع في القرآن الكريم
وقع خلاف بين أهل العلم حول وجود السجع في القرآن الكريم، فمنهم من رأى أن القرآن الكريم يخلو من السجع، ويسمون ما ورد فيه مما يظن أنه سجع ب الفواصل التي يستريح الكلام إليها. يقوا الباقلاني: لو كان الذي في القرآن سجعا لكان مذموما، لأن السجع إذا تفاوتت أوزانه، واختلفت طرقه كان قبيحا من الكلام، فهو ينفي السجع عن القرآن الكريم لسبب أساسي، وهو أن السجع نوع من أنواع الصنعة الكلامية التي تجعل المعنى تابعا للفظ، وأنه متداول عند الكهان مستدلا على ذلك بقول المصطفى عليه الصلاة والسلام: أسجعا كسجع الكهان وهذا نقص في الكلام، ويلتقي معه في الرأي الإمام الرماني الذي يقول: السجع عيب، والفواصل بلاغة.
أما المثبتين للسجع في القرآن، فقد قالوا: إنه مما يبين به فضل الكلام، وإنه من الأجناس التي يقع فيها التفاضل في الفصاحة، كالجناس والالتفات، وما أشبه ذلك من الوجوه التي تعرف بها الفصاحة، ومنهم أبو هلال العسكري الذي وجد أن التسجيع والازدواج لهما دور في تمكين المعنى، وصفاء اللفظ.
إن ما جاء في القرآن الكريم مما يقترب أن يكون سجعا يخرج عن قوانين السجع في الكلام العادي، حتى أنه يطول التباعد أحيانا بين رؤوس الآيات، مما يخالف شروط السجع الحسن، وما جاء في القرآن الكريم منزه عن التبعية للفظ، لأن هذا شأن بشري يتنزه عنه كلام الله سبحانه وتعالى، ويعتبر من السجع المحمود، كقوله تعالى: ﴿والعاديات ضبحا۞ فالموريات قدحا ۞ فالمغيرات صبحا۞ فأثرن به نقعا﴾ العاديات 1-5، وهو يخالف السجع المطبوع على سجية البشر، وسجع الكهان القبيح المتكلف، كقولهم: والسماء والأرض، والقرض والفرض، والغمر والبرض، فهذا من السجع المذموم.
ما هي شروط تحقيق السجع؟
يجب أن يراعى في السجع عدة شروط حتى تتحقق جماليته، وهي:
1- أن تتسم المفردات بالرشاقة، والأناة، وروعة الجرس، والخفة على السمع.
2- أن تكون الألفاظ منقادة للمعاني مناسبة لها، حتى لا يكون السجع مجرد زيادة في اللفظ أو نقصانا فيه.
3- أن تكون المعاني الحاصلة مألوفة غير مستنكرة.
4- أن تكون كل قرينة من القرينتين مستقلة بدلالتها الخاصة، حتى لا يصبح السجع مجرد تكرار لا فائدة منه.
5- أن تكون القرينتان متناسبتين في الطول، حتى يحدث تناغم وانسجام.
يجب أن تبقى فواصل القرائن مسكنة، لأنه لا يتم التوافق بين الصور إلا بالوقف والسكون.
جماليات السجع
– إن أفضل السجع وأحسنه هو ما تساوت قرائنه في عدد الكلمات، حيث تتضمن القرائن أحيانا كلمتين، فيكون سجعا قصيرا، كقوله تعالى: ﴿في سدر مخضود۞ وطلح منضود۞ وظل ممدود﴾ الواقعة 28- 30، ومنه من تطول قرينته الثانية، كقوله تعالى: ﴿والنجم إذا هوى۞ ما ضل صاحبكم وما غوى﴾ النجم 1-2.
ومنه ما تطول قرينته الثالثة، كقوله سبحانه وتعالى: ﴿النار ذات الوقود۞ إذ هم عليها قعود۞ وهم على ما يفعلون بالمؤمنين شهود﴾ البروج 5-7، وليس من الحمال أن تكون القرينة أقصر من سابقتها، فالسجع قائم على التوافق والتوقع، فإن طول القرينة الأولى يهيئ ذهن المتلقي لقرينة لها نفس الطول، فإذا جاءت أقصر مما قبلها أحبط توقع المتلقي.
– إن اتفاق الفواصل القرآنية وزنا وتقفية يبهج القارئ، وينشط ذهنه وإدراكه لتلقي المعنى القرآني بوعي وفهم.
– إن الثراء الفني المتمثل في الإكثار من تجانس القرائن، وخاصة في السور المكية يسهم في تحريك النفوس الغافلة، وهز الطباع الآبية، وكشف الغشاوة عن قلوب المعرضين عن ذكر الله.
تابعنا للمزيد من الاخبار عبر الواتساب
دليلك الشامل لأحدث الأخبار
0 تعليق
إرسال تعليق