علم البديع – المُحسّنات البديعية، المطابقة وأنواعها

علم البديع – المُحسّنات البديعية، المطابقة وأنواعها

كلمة البديع في اللغة تعني المخترع، أو المبتكر المتصف بالحسن، أو الموجد على غير مثال سابق، وجذره اللغوي بدع، يقال: بدع الشيء أي أوجده وأنشأه، والبديع هو الشيء المحدث الذي لا نظير له في الوجود، وإذا أسند إلى الخالق، كما في قوله تعالى: بديع السماوات والأرض، وإذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون البقرة117، والمعنى: أي منشئهما على غير مثال سابق، فإن ذلك يلفت إلى القدرة الإلهية على إبداع السماوات والأرض على غير مثال، الأمر الذي يثير الإدهاش والإعجاب لدى الإنسان، كما يثير لديه الإحساس بجمال الله، وجلال قدرته.

ما هو تعريف البديع في الاصطلاح البلاغي؟

هو علم يعرف فيه وجوه تحسين الكلام، بعد رعاية المطابقة لمقتضى الحال، ووضوح الدلالة على المعنى المراد، وهو علم يهدف إلى إظهار رونق الكلام، واكتشاف الجمال الأدبي فيه سواء أكان شعرا أو نثرا.

من وضع قواعد علم البديع؟

أول من وضع أصول وقواعد علم البديع ابن المعتز العباسي في كتابه علم البديع، حيث جمع فيه سبعة عشر نوعا من المحسنات البديعية بعد بحثه في الشعر، وقد قال في ذلك: ما جمع قبلي فنون البديع أحد، ولا سبقني إلى تأليفه مؤلف، ومن رأى إضافة شيء من المحاسن إليه، فله اختياره.

وقد ألف بعده معاصره جعفر بن قدامة، وأبو هلال العسكري، أما صفي الدين الحلي، فقد ألف كتابا سماه البديعيات، وقد زاد هؤلاء على أنواع البديع حتى بلغت مئة وستين نوعا جمعها تقي الدين في كتابه خزانة الأدب، وقد أطلق على هذه الأنواع المحسنات المعنوية أو الجماليات.

ما هي أنواع المحسنات البديعية؟

قسم السكاكي المحسنات البديعية إلى قسمين: الأول يرجع إلى المعنى، والثاني يرجع إلى اللفظ، وهي:

1- المحسنات المعنوية

هي التي يكون التجميل فيها عائدا في الأصل إلى المعنى، إما بزيادة التنبيه على الأمر أو زيادة التناسب بين أجزاء الكلام، وإذا تبع ذلك تجميل في اللفظ، فيكون غير مقصود، مثل: الطباق، المقابلة، مراعاة النظير، الإرصاد، المشاكلة، وغيرها.

2- المحسنات اللفظية

هي التي يكون التجميل فيها عائدا إلى اللفظ في الأصل، وإن تبع ذلك تجميل في المعنى، فيكون غير مقصود، وما يميزه بأنه يزول إذا غير اللفظ بما يرادفه، مثل: الجناس، رد العجز على الصدر، السجع، الموازنة، وغيرها. يجب أن تكون النظرة إلى هذه المحسنات تكاملية، وعدم الفصل بينها، لأن جمال اللفظ يقترن بجمال المعنى، وأيضا لا يكون المعنى جميلا إلا عند صياغته بتركيب لفظي جميل.

فالفصل بينهما كمن يفصل بين الجسد والروح، وهذا ما أكده عبد القاهر الجرجاني في نظرته التكاملية لجمالية الكلام، حيث يقول في ذلك: ولعمري، لن تجد أيمن طائرا، وأحسن أولا، وآخرا، وأهدى إلى الإحسان، وأجلب للاستحسان، من أن ترسل المعاني على سجيتها، وتدعها تطلب لأنفسها الألفاظ؛ فإنها إذا تركت، وما تريد لم تكتس إلا ما يليق بها، ولم تلبس من المعارض إلا ما يزينها.

ما هو تعريف المطابقة الطباق في اللغة والاصطلاح البلاغي؟

المطابقة في اللغة هي مصدر الفعل طابق، وطابق الشيء على الشيء أي جعل أحدهما على الآخر، أما في الاصطلاح البلاغي، فهي تسمى أيضا الطباق أو التضاد، وتعني: أن يجمع المتكلم في كلامه بين لفظين يتنافى وجود معنيهما معا في شيء واحد في وقت معين، أو أن يجمع في الكلام الواحد بين معنيين متقابلين أو متضادين.

ما أنواع الطباق؟

للطباق نوعان حقيقي ومجازي، وهذا ما أورده ابن الإصبع.

1- الطباق الحقيقي

له عدة أنواع، وهي:

طباق الإيجاب

هو يجمع بين لفظين متضادين في معناهما، وهما مثبتان، كقوله تعالى: أو من كان ميتا فأحييناه الأنعام122، فقد جمع بين لفظين متضادين في المعنى، وهما ميتا وأحييناه، لأن الموت ضد الحياة، وهما مثبتان.

طباق السلب

يجمع بين فعلين مصدرهما واحد، أحدهما مثبت والآخر منفي، كقوله تعالى: ولكن أكثر الناس لا يعلمون يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا الروم 6 ،7،  فقد جمع بين الفعلين المتضادين يعلمون المثبت، ولا يعلمون المنفي، أو أحدهما أمر، والآخر نهي، كقوله تعالى: فلا تخشوا الناس واخشون المائدة44، فقد جمع بين فعلين لا تخشوا، وهو مضارع مسبوق بلا الناهية الجازمة، واخشون، وهو فعل أمر.

طباق الترديد

هو أن يرد آخر الكلام المطابق على أوله، فإذا لم يكن مطابقا، فيكون رد العجز على الصدر، وهو نوعان سلب وإيجاب، كقوله تعالى: وعسى أن تكرهوا شيئا، وهو خير لكم، وعسى أن تحبوا شيئا، وهو شر لكم، والله يعلم وأنتم لا تعلمون البقرة216، فقد جمعت هذه الآية بين المقابلة وطباق السلب، حيث قابل بين الكراهية، والحب، والخير، والشر، أما طباق السلب، فقد جمع بين فعلين من مصدر واحد، وهما يعلم، وهو مثبت، ولا تعلمون، وهو منفي.

الطباق بلفظين من نوع واحد

فتكون المطابقة إما بين اسمين، أو فعلين، أو حرفين، ومن ذلك:

1- المطابقة بين اسمين، كقوله تعالى: يغشى الليل النهار يطلبه حثيثا الأعراف54، فقد جمع بين الاسمين المتقابلين المتضادين في كلام واحد.

2- المطابقة بين فعلين، كقوله تعالى: وأنه هو أضحك وأبكى النجم 43، فقد جمع بين الفعلين المتطابقين في كلام واحد، لأن الضحك ضده البكاء.

3- المطابقة بين حرفين، كقوله تعالى: لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت البقرة286، فقد جمع بين الحرفين المتطابقين لها الذي يحمل معنى المنفعة، وعليها الذي يحمل معنى التضرر.

المطابقة بين لفظين مختلفين اسم وفعل

كقوله تعالى: من يضلل الله فلا هادي له الأعراف186، فقد جمع بين يضلل، وهو فعل مع هادي، وهو اسم، والضلالة ضد الهداية.

ائتلاف الطباق والتكافؤ في كلام واحد

يأتي فيه أحد الضدين أو أحد المتقابلين حقيقة والآخر مجازا، كقوله تعالى: وترى الأرض هامدة، فإذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت، وأنبتت من كل زوج بهيج الحج 5، إن همود الأرض ضد اهتزازها، وهما مجازان، والربو والإنبات ضدان، وهما حقيقتان.

إيهام التضاد

أي أن يوهم لفظ الضد أنه ضد، وهو ليس كذلك، كقوله تعالى: يا قوم مالي أدعوكم إلى النجاة وتدعونني إلى النار غافر41، حيث جمع بين النجاة والنار، وهما ليسا ضدان، ولكن النار هي عاقبة الكافرين أي هلاكهم.

2- الطباق المجازي

يسمى التكافؤ، وهو ما كانت ألفاظه أو بعضها مجازية شريطة أن تكون الأضداد لموصوف واحد، فإذا كانت لموصوفين، فهو طباق حقيقي، كقوله تعالى: أو من كان ميتا فأحييناه الأنعام122، فالموت هنا مجازي وحقيقته الضلال، والإحياء أيضا مجازي، وحقيقته الهداية.

ما أنواع الطباق من حيث وضوح المعنى؟

ذكر الزركشي ثلاثة أنواع للطباق من حيث وضوح المعنى، وهي:

1- الطباق اللفظي الحقيقي

هو واضح ظاهر، وألفاظه حقيقية، وليست مجازية، كقوله تعالى: وأنه هو أضحك وأبكى النجم43، فالضحك ضد البكاء، وهما معنيان حقيقيان.

2- الطباق المعنوي المجازي

تكون ألفاظه أو بعضها مجازية، بشرط أن تكون الأضداد لموصوف واحد، كقوله تعالى: الذي جعل لكم الأرض فراشا، والسماء بناء البقرة 22، فالبناء الذي يكون عاليا مرتفعا إلى السماء، وهو ضد الفراش الذي يكون على الأرض.

3- الطباق الخفي

هو ملحق بالطباق، وهو الجمع بين معنيين يتعلق أحدهما بما يقابل الآخر، كقوله تعالى: أغرقوا فأدخلوا نارا نوح25، فإن أدخلوا نارا لها معنيان: ظاهر لا يقابل معنى الإغراق، وخفي يقابل معنى الإغراق، وهو الإحراق، فتقدير المعنى: أغرقوا فأحرقوا.

ما هي جماليات المطابقة؟

● الجمع بين الأضداد.

● جمع شتات المتنافرات في موضع واحد.

● تنشيط الفعالية الإدراكية للذهن من خلال محاولة فهم معنى هذه المتناقضات، والشعور بالأنس والبهجة عند الإحاطة بها.

● التعجب والإدهاش الذي يصيب الذهن عند إدراك الأفعال المتضادة.

تابعنا للمزيد من الاخبار عبر الواتساب

دليلك الشامل لأحدث الأخبار

0 تعليق

إرسال تعليق