البلاغة في اللغة العربية – ما الفرق بين البلاغة والفصاحة؟
البلاغة لغة بلوغ الرجل بعبارته كنه ضميره، فعندما تقول: بلغ أحمد أي صار قادرا على التعبير عما يريد، والبلاغة في اللغة تقسم إلى:
بلاغة الكلام
يقول الخطيب القزويني: البلاغة في الكلام مطابقته لمقتضى الحال مع فصاحته. سندرس عناصر هذا التعريف دراسة تفصيلية حيث نحدد فيه ثلاثة عناصر أساسية لدراستها، وهي: الحال، مقتضى الحال، مطابقة الكلام لمقتضى الحال.
1- الحال
يعرف البلاغيون الحال على أنه الأمر الحامل للمتكلم على إيراد كلامه في صورة خاصة أو الأمر الداعي لأن يعتبر المتكلم في كلامه خصوصية ما. إن على المتكلم البليغ أن يراعي طبيعة من يتحدث إليه وخصوصيته، وحالته النفسية التي يعيش تحت وطأتها، فيجب أن يكون كلامه مناسبا للإطار الذي يقال فيه، ويناسب طبيعة من يتكلم معه، وأمثلة الأحوال لا تعد ولا تحصى.
ومن ذلك: حال خطاب أهل العلم يختلف عن حال خطاب الجهلاء، وحال خطاب أهل البادية يختلف عن حال خطاب أهل الحضر، وحال الخطاب مع الوالدين يختلف عن الخطاب مع الإخوة أو الأصدقاء، وحال الخطاب مع الأذكياء يختلف عن حال الخطاب مع الأغبياء، وكل هذه الأوضاع التي نقدم فيها كلامنا، وتؤثر على صياغتنا إياه تسمى أحوالا، أو مقامات، أو سياقات.
2- مطابقة مقتضى الحال
المقتضى: هو الصورة التي ترد عليها العبارة، ومقتضى الحال هو إيراد الكلام على تلك الصورة، فهو كيفية كلامية يعرفها المتكلم، ويعرف الحال التي تقتضيها عند المخاطب، وتبقى في ذهنه في صورة كامنة وتصور عقلي، حتى إذا جاءت الحال التي تقتضيها أثناء التخاطب أخرج كلامه وفقا لها، وقانونها العام: لكل كلمة مع صاحبتها مقام.
ومثال ذلك: الوعظ حال يقتضي البسط والإطناب أي الإكثار من الكلام والمبالغة فيه، ومثال ذلك: الوعظ حال يقتضي البسط في الكلام، وهذا البسط هو مقتضى، وإيراد الكلام بصورة الإطناب هو مطابقة لهذا المقتضى، ومثال آخر: عندما يكون المخاطب منكرا ليوم البعث هذا حال يقتضي التأكيد، وهو مقتضى، وعندما تقول له: إن يوم القيامة لا شك فيه، فهذا مطابقة لمقتضى الحال، ومن هنا جاءت الحكمة: كلموا الناس على أقدار عقولهم.
ما هي عناصر البلاغة؟
تحقق البلاغة ستة عناصر وهي:
1- الالتزام بما ثبت في اللغة من قواعد النحو والصرف، واختيار المفردات والجمل الفصيحة.
2- عدم الخطأ في تأدية المعنى المراد.
3- الابتعاد عن التعقيد في المعنى المراد سواء من جهة اللفظ أو المعنى.
4- اختيار الكلمات والجمل الجميلة المرهفة ذات الذوق الرفيع.
5- تجديد المعاني الجميلة في قوالب لفظية متميزة بالجمال.
6-استخدام المحسنات التي تجذب المتلقي، وتزيد الكلام جمالا ورونقا.
ما هي مراتب البلاغة؟
اهتم البلاغيون بإظهار طرفين للبلاغة الأعلى والأدنى، ويبين السكاكي هذين الطرفين في قوله: البلاغة طرفان أعلى وأسفل متباينان تباينا لا يتراءى لأحد ناراهما، وبينهما مراتب متفاوتة تكاد تفوت الحصر، فمن الأسفل تبتدئ البلاغة، وهو القدر الذي إذا نقص منه شيء التحق ذلك الكلام بأصوات الحيوانات ثم تأخذ في التزايد متصاعدة إلى أن تبلغ حد الإعجاز، وهو الطرف الأعلى وما يقرب منه.
1- المرتبة الأولى
هي مرتبة الكلام المعجز، وهو كلام الله في كتابه القرآن الكريم الذي عجز البشر جميعهم عن الإتيان بسورة مثله، فقد نزل القرآن الكريم في أفصح صورة وأكملها بلاغة، قال تعالى: وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين البقرة 23.
2- المرتبة الثانية
هي السنة النبوية الشريفة على لسان الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم التي اغترفت من هدي وبلاغة القرآن الكريم، فجاءت من موجز الحكم وجامع الكلم، ولم يتكلم إلا بكلام حسن الإفهام مع قلة التكلف، ولا يزال غاية القاصدين، ومن ذلك قوله عليه الصلاة والسلام: ذو الوجهين لا يكون وجيها عند الله.
3- المرتبة الثالثة
هي مرتبة الشعراء، والأدباء، والحكماء، وكل من تكون عنده القدرة على الإتيان بالكلام الذي يطابق مقتضى الحال.
ما الفرق بين الفصاحة والبلاغة؟
الفصاحة
هي البيان والظهور، وفصاحة المتكلم: هي موهبة يستطيع من خلالها التعبير عن المعنى بلفظ فصيح خال من العيوب، وقد خص البلاغيون الفصاحة للألفاظ، والمعاني، والبيان أما البلاغة فهي مطابقة الكلام لمقتضى الحال مع فصاحته، وبلوغ المتكلم غايته في إيصال المعنى للسامع، وهو ما يقابل في اللغة مصطلح الإيصال الدلالي.
فشرط الكلام البليغ أن يكون خاليا من العيوب التي تخل بفصاحته، فتكون بذلك البلاغة أعم من الفصاحة، وليس كل كلام بليغ فصيحا بالضرورة كما أنه ليس كل كلام فصيح بليغا، وهكذا بين البلاغة والفصاحة علاقة عموم وخصوص.
بلاغة المتكلم
يعرف البلاغيون بلاغة المتكلم بأنها: ملكة في النفس يقتدر بها صاحبها على تأليف كلام بليغ مطابق لمقتضى الحال، وسليم من نواقض الفصاحة، في أي معنى قصده، والملكات عندهم هي الصفات الراسخة التي تحصل بتكرار الشيء والمتكلم البليغ أخص من الفصيح لأنه يمتلك القدرة والموهبة على الإتيان بالكلام البليغ، وقد عرفنا أن الكلام البليغ ينبغي أن يكون فصيحا، فالمتكلم الفصيح يمكن أن يأتي بكلام فصيح، ولكنه ليس بليغا لأنه لم يطابق مقتضى الحال، وقد سئل عربي: ما هذه البلاغة فيكم؟ فأجاب: شيء تجيش به صدورنا فتقذفه ألسنتنا
لذلك البلاغة تشمل التفكير بالمعاني ثم صوغها في قوالب كلامية تصورها أحسن تصوير مع مراعاة مقتضى الحال الذي قيل فيه هذا الكلام.
ما هي علوم البلاغة؟
تقسم علوم البلاغة إلى ثلاثة أقسام هي: المعاني، البيان، البديع.
1- المعاني
هو تتبع خواص وتراكيب الكلام في الإفادة، وما يتصل بها من الاستحسان وغيره، ليحترز بالوقوف عليه عن الخطأ في تطبيق الكلام على ما يقتضي ذكره، وقد عرفه القزويني: هو علم تعرف به أحوال اللفظ العربي التي بها يطابق مقتضى الحال.
2- البيان
هو الكشف، والإيضاح، والظهور، قال تعالى: هذا بيان للناس وهدى وموعظة للمتقين آل عمران 138، وفي تعريف البلاغيين: هو علم يعرف به إيراد المعنى الواحد في طرق وتراكيب مختلفة في وضوح الدلالة عليه، وله ثلاثة مباحث أساسية هي:
1- مبحث التشبيه.
2-مبحث المجاز.
3-مبحث الكناية.
3- البديع
يعرف في اللغة المخترع أي الموجد على غير مثال سابق، وفي تعريف البلاغيين: هو علم يعرف فيه وجوه تحسين الكلام، بعد رعاية المطابقة لمقتضى الحال، ووضوح المعنى المراد، وعلم البديع يتولى دراسة المعنى أو اللفظ من حيث صياغته على وجوه خاصة تبهج العقل، وتنعش النفس، وتثير الحس الجمالي عند الإنسان، أي دراسة جماليات الأداء، أو الصياغة، أو وجوه تحسين الكلام.
تابعنا للمزيد من الاخبار عبر الواتساب
دليلك الشامل لأحدث الأخبار
0 تعليق
إرسال تعليق