علم البديع – الجمع، التفريق، الطّيّ والنشر

علم البديع – الجمع، التفريق، الطّيّ والنشر

يعرف الجمع بلاغيا بأنه جمع المتكلم في كلامه بين شيئين فأكثر في حكم واحد، كقوله تعالى: المال والبنون زينة الحياة الدنيا الكهف 46، حيث جمع بين المال والبنون في حكم واحد، وهو أنهم زينة الحياة الدنيا.

ما أنواع الجمع؟

1- الجمع بين اثنين

 ومن أمثلته قوله سبحانه وتعالى: واعلموا أنما أموالكم وأولادكم فتنة الأنفال28، فقد جمع بين الأموال والأولاد في حكم واحد، وهو الفتنة.

2- الجمع بين أكثر من اثنين

 كقوله تعالى: إنما الخمر والميسر والأنصاب، والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون البقرة 219، حيث جمع بين الخمر، والمسر، والأنصاب، والأزلام في حكم واحد، وهو ضرورة اجتنابهم. أما في الشعر فيقول الشاعر أبو العتاهية:

إن الشباب والفراغ والجده
مفسدة للمرء أي مفسدة

حيث جمع الشاعر بين الشباب، والفراغ، والثراء في حكم واحد، وهو الإفساد.

ما هي جماليات الجمع؟

● الإيجاز في الأسلوب، فالأشياء المتعددة إذا جمعت في حكم واحد، وجعل هذا الحكم لكل شيء على حدة، فإن ذلك يساهم في الإيجاز، وعدم الإطالة، فلو جعل لكل شيء خبرا لطال الكلام.

● ترتيب الأفكار وتنظيمها تحت حكم واحد، فيتمكن هذا الحكم في النفس.

● يثير تشويق المتلقي، وينشط إدراكه لمعرفة الوجه المشترك الذي تجتمع فيه الأشياء المتباينة، فالذهن يقف عند المتعاطفات وقفة عادية، أما في الجمع، فينشط لإدراك الأشياء المشتركة.

التفريق

أن يفرق المتكلم بين أمرين من جنس واحد في معنى يختلفان فيه، كقوله تعالى: وما يستوي البحران هذا عذب فرات سائغ شرابه وهذا ملح أجاج فاطر 12، حيث فرق بين أمرين من جنس واحد البحرين في الطعم، فبحر مياهه عذبة صالحة للشرب، وبحر مالح غير صالح للشرب. ومنه في الشعر قول الشاعر:

من قاس جدواك يوما
بالسحب أخطأ مدحك
السحب تعطي وتبكي
وأنت تعطي وتضحك

فرق بين أمرين من جنس واحد جدواك أي عطاؤك، حيث إن الممدوح يعطي، وهو يضحك، أما السحب تعطي، وهي تبكي.

ما هي جماليات التفريق؟

إن أساس هذا الفن أنه يعرف المتلقي وجه الاختلاف بين شيئين يظن أنهما متفقان، كما أنه ينبه على البراعة في معرفة وجه الاختلاف في المتآلفات، وتجديد البرهان على ذلك الاختلاف.

الجمع مع التفريق

يعرف عند البلاغيين أنه جمع المتكلم بين شيئين في حكم واحد ثم يفرق بين جهتي إدخالهما، ومنه قوله تعالى: وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة الإسراء12، حيث جمع الليل والنهار في حكم واحد، وذلك بجعلهما آيتين، ثم فرق بين جهتي إدخالهما في هذا الحكم، فالليل مظلم، والنهار مضيء. أما في الشعر قول الشاعر رشيد الدين الوطواط:

فوجهك كالنار في ضوئها
وقلبي كالنار في حرها

فقد جمع الشاعر بين وجه وقلب الحبيب في مشابهتهما للنار، ثم فرق بين وجهي تشابههما، وذلك بجعل وجه الحبيب يشابه النار في الضياء والإشراق، وقلبه يشابه النار في الحرارة والاحتراق.

الطي والنشر

يقال أيضا اللف والنشر، وهو أن يذكر متعدد مفصل أو مجمل، ثم يذكر ما لكل من آحاده دون تعيين، وذلك اعتمادا على قدرة المتلقي على أن يرد إلى كل ما يليق به لوضوح الحال، وله نوعان:

1- الطي والنشر المفصل

● أن يكون النشر فيه على ترتيب الطي، كقوله تعالى: ومن رحمته جعل لكم الليل والنهار لتسكنوا فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون القصص 73، حيث ذكر المتعدد الليل والنهار مفصلا، وذلك بجمعهما بحرف العطف الواو، وهذا هو الطي، ثم جاء النشر بتوزيع مرتب، حيث ذكر المعنى المتعلق بالليل، وهو السكون لأنه وقت للنوم والراحة، والمعنى المتعلق بالنهار، وهو ابتغاء الرزق من الله سبحانه وتعالى، لأنه وقت العمل، فجاء النشر على ترتيب الطي. ومنه في الشعر قول الشاعر ابن حيوش:

فعل المدام ولونها ومذاقها
في مقلتيه ووجنتيه وريقه

فذكر الشاعر المتعدد مفصلا، وهو فعل المدام والتي تعني الخمر أي السكر، واللون، والمذاق، وذلك بجمعها بحرف العطف الواو، وهو الطي، ثم ذكر ما يتعلق بها على نفس الترتيب: المقلتان للسكر، الوجنتان للون، الريق للمذاق، فجاء النشر على ترتيب الطي.

● أن يأتي النشر في ترتيبه مخالفا للطي، كقوله تعالى: فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة لتبتغوا فضلا من ربكم ولتعلموا عدد السنين والحساب الإسراء 12، حيث ذكر المتعدد مفصلا إظلام الليل، وإنارة النهار ثم ذكر ما يتعلق بكل منهما على خلاف ترتيبهما ابتغاء الفضل للثاني، وعلم الحساب للأول. ومنه في الشعر قول الشاعر:

ولحظه ومحياه وقامته
بدر الدجى وقضيب البان والراح

ذكر المتعدد مفصلا اللحظ، والمحيا، والقامة ثم ذكر ما يتصل بكل منهم على خلاف الترتيب الذي عليه المتعدد: بدر الدجى للمحيا، وقضيب البان للقامة، والراح للحظ، والمعنى أن عينا الحبيب تسكران العاشق.

2- الطي والنشر المجمل

أن يذكر المتعدد على نحو مجمل، ثم يذكر ما لكل واحد من آحاده، كقوله سبحانه وتعالى: وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى البقرة 111، حيث ذكر المتعدد مجملا، وهو واو الجماعة في قالوا، والتي تعود على اليهود والنصارى، ثم ذكر ما يتصل بكل منهما، فالمفصل هو: قالت اليهود: لن يدخل الجنة إلا من كان يهوديا، وقالت النصارى: لن يدخل الجنة إلا من كان نصرانيا.

جماليات الطي والنشر

هذا الفن البديعي يزيد فعالية الذهن لدى المتلقي، حيث ينثر أمامه مجموعة من الأشياء التي يتعلق بكل منها شيء، ولكنه يجعل نسبة الشيء إلى أصله مجهولة في بادئ الأمر، فينشط الذهن لإدراك هذه المعرفة، وتحصيل العلاقة بين كل شيء من أشياء المتعدد والشيء المتعلق به، فيشعر المتلقي ببهجة التعرف، ولذة الاكتشاف.

تابعنا للمزيد من الاخبار عبر الواتساب

دليلك الشامل لأحدث الأخبار

0 تعليق

إرسال تعليق